لقد بدأت الأرطفونيا في الظهور والنمو في العالم في نفس الوقت الذي بدأت فيه أول الأبحاث الهامة الخاصة بميدان الطب وعلم النفس ولقد عرفت نجاحا كبيرا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ويرجع مصطلح أرطفونيا إلى سنة 1829 عندما فتح الدكتور كولومبا (Clombat) المعهد الأرطفوني بباريس وكان يهدف إلى معالجة عيوب الكلام، وفي سنة 1926 طلب الدكتور فو(Veau) وهو جراح بمستشفى الأطفال المعوقين من الأستاذة سوزان بورال ميسوني (S.Borel Maisonny) التكفل بالأطفال الذين تجرى لهم جراحة بخصوص الانقسام الحنكي أو العُلمة أو شق الحلق (Division Palatine) حيث كانت نتائج التكفل حسنة مما جعل فويرسل لها حالات أخرى.
وتعد بورال ميزوني (1900/1995) أول من أسست الأرطفونيا الحديثة كانت تلميذة أبي روسلو (Abbé Rosslot) مؤسس الصوتيات التجريبية، حاصلة على ليسانس تعليم تخصصت في الصوتيات وعملت كرئيسة قسم الأرطفونيا في مستشفى سان فانسون دي بول، كما عملت بالمستشفى الخاص بالأطفال المرضى في باريس من 1926/1961، كما كانت المكلفة الأولى بقسم الأرطفونيا بمستشفى هنري روسل بباريس من 1946/1974.
لقد صممت بورال ميزوني العديد من الاختبارات في اللغة وعدد من الوسائل البيداغوجية في مجال تعلم القراءة والكتابة والحساب، كما اخترعت طريقة صوتية وإشارية من أجل إعادة تربية اضطرابات الكلام واللغة، ثم وسعت مجال نشاطها فأصبحت تتكفل بالنطق والكلام عند الأطفال غير المصابين بشق الحلق واتجهت خاصة نحو ميدان تربية الأطفال الصم.
بعد الحرب العالمية 2 وبفضل جهود جون دي أجيريا جيرا (John De Ajuriaguerra) أصبحت مصلحة مستشفى روسل متخصصة أساسا في التكفل بالحالات العصبية وحالات عسر القراءة، وفي 1959 أسست بورال النقابة الوطنيةللأرطفونيين S.N.O التي أصبحت في 1968 الفدرالية الوطنية للأرطفونياF.N.O، ولقد أغنت هذه الباحثة المكتبات بمقالاتها المتنوعة والتي ظهرت في الصحافة العلمية الطبية الفرنسية والعربية.
وبقيت الأبحاث والمساهمات المختلفة والمتنوعة من طرف الباحثين إلى سنة 1963 حيث تخرجت أول دفعة بشهادة دراسة في الأرطفونيا، وفي سنة 1964 صدر قانون 11 جويلية ليعطي للأرطفونيا وضعها القانوني فأصبح بالإمكان تحضير دبلوم دولة في الكفاءة الأرطفونية.
ونلاحظ أن الأرطفونيا في الدول الأوربية تابعة للقطاع الصحي سواء الطبي أو الشبه طبي متأثرا بمؤسسيه والأبحاث الأولى التي أجريت حيث أن معظم الباحثين في الأرطفونيا هم لسانيون أو أطباء، وبصفة عامة فقد عرفت الأرطفونيا أشواطا مختلفة في جميع أنحاء العالم، نظرا لكون الحاجة إليها ماسة ونظرا للانتشار الكبير لاضطرابات اللغة، والوقاية منها أصبح ضروريا خاصة وأن التكفل بالمصابين يصبح صعبا وطويل المدى في حالة عدم التشخيص المبكر والدقيق.
بدأت الأرطفونيا في الجزائر منذ سنة 1973 والمحاولات الأولى أثبتت أن هناك تبعية للنظام المتبع في فرنسا الذي ظهر في الخمسينات بفضل الباحثة (بورال ميسوني) وظهر أن هناك فشل في هذه التبعية نظرا لعدم وجود مختصين جزائريين قادرين على إتباع نفس الطرق حيث إلى هذا التاريخ لم يكن موجود أي أستاذ جامعي في الأرطفونيا يستطيع أن يدرس هذا الاختصاص للطلبة.
وعمل المختصون في علم النفس على دفع الجهات المعنية لتكوين مختصين حاملين لشهادة ليسانس عوض دبلوم ولم يلبى هذا الطلب إلا في عام 1987 وبقيت الأرطفونيا تابعة لعلم النفس فهي لم تعرف استقلاليتها والبرنامج لم يغير ولم يكن خاليا من النقائص خاصة فيما يخص الوسائل والتربصات لأن الأرطفونيا تتفرد في تقنياتها والاختبارات التي تطبقها ولم يكن تكوين المختصين الأرطفونيين كاملا بالرغم من الجهود التي كانت تبذل للوصول إلى ذلك خاصة من طرف الدكتورة (زلال نصيرة) التي يعود إليها الفضل الكبير في إعطاء الأرطفونيا فرصة البروز في التكوين والدفاع عن الأرطفونيا خاصة في ميدان العمل، نظرا لعدم وجود معرفة شاملة بهذا الاختصاص من طرف المعنيين وحتى العائلات والأولياء.
ساهمت
(نصيرة زلال) في تثبيت مجال الأرطفونيا كعلم قائم بذاته من خلال المؤتمرات العلمية الدولية بالإضافة إلى المراجع والمقالات التي نشرت من طرف الباحثة كما ساعدت مشاريع البحث في الأرطفونيا على ظهور الجمعية الجزائرية للأرطفونيا، أما تكوين الأرطفونيين في الجزائر فهي تابعة لأقسام علم النفس وعلوم التربية والأرطفونيا وتدرس في الجزائر العاصمة ووهران وسطيف منذ السنة الثانية جامعي وتسلم شهادة الليسانس في الأرطفونيا بعد أربع سنوات دراسة في الجامعة، سنة واحدة جذع مشترك وثلاث سنوات تخصص وفق النظام القديم أما وفق النظام الجديد فهي تدرس كمقياس سداسي لكافة طلبة سنة أولى علوم اجتماعية ويكون التخصص في السنة الثانية.